المواضيع الأخيرة
بحـث
دخول
نوفمبر 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | ||||
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
محرر القدس ..أبو المظفر يوسف بن أيوب بن شاذي [*][*], الملقب بالناصر صلاح الدين الكوردي
صفحة 1 من اصل 1
محرر القدس ..أبو المظفر يوسف بن أيوب بن شاذي [*][*], الملقب بالناصر صلاح الدين الكوردي
الحمد لله الذي هدى من الضلالة و علم من الجهالة
و أنعم بعد القلة و أعز بعد الذلة
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
البر الرحيم العزيز الكريم
و أشهد أن محمداً عبده و رسوله
المبعوث رحمة للعالمين و قدوة للعاملين
صلى الله عليه و على آل بيته الطيبين الطاهرين
و أصحابه الغُرِّ الميامين و من سار على نهجهم و اتبع سبيلهم
من العلماء العاملين و الأئمة المهديين و علينا معهم
و الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
أما بعد ...
فـ من مفاخر هذه الأمة أن دُوٍّن تاريخها و ترجم لرجالها
و تاريخ الإسلام حافل زاخر بالأحداث العظيمة التي تفتخر بها الأمم و الشعوب
كما أنه غني كذلك بالرجال الأفذاذ و العلماء الأعلام
الذين يمثلون عظمة الإسلام و يصدقون دعوة النبي -عليه الصلاة و السلام-
فـ العلماء الأعلام و الأئمة الكرام ثمرات طيبة مباركة لدعوة الإسلام الخالدة
رجال تربوا بالإسلام و تربوا للإسلام
رفع الله -عز و جل- بهم رايته و أعزَّ شريعته .
فـ بإذن الله سنُقَلِّب في كل لقاء صفحة من صفحات التاريخ المشرقة
نأخذ منها العبرة و العلم النافع و نقتضي بها في العمل الصالح
فهذه سلسلة من تاريخ التابعين فمن بعدهم و قد أسميتها
" صفحات من التاريخ "
و أسأل الله الغني الكريم أن يتقبل منا صالح الأعمال
و أن يتجاوز عما في أعمالنا و أعمارنا من خلل و تقصير
و أن يمنحنا من فضله و كرمه الثواب الجزيل
و الحمد لله رب العالمين
--
(1) الناصر صلاح الدين الأيوبي
فهو أبو المظفر يوسف بن أيوب بن شاذي،
الملقب بالملك الناصر صلاح الدين.
اتفق أهل التاريخ على أن أباه وأهله من "دوين"،
وهي بلدة في آخر أذربيجان، وأنهم أكراد،
وكان شاذي -جد صلاح الدين- قد أخذ ولديه "أسد الدين شيركوه"،
و"نجم الدين أيوب"، وخرج بهما إلى بغداد، ومن هناك نزلوا تكريت.
ولد صلاح الدين سنة 532هـ بقلعة تكريت في الليلة التي أخرجوا منها، فتشاءموا به، وتطيروا منه،
فقال بعضهم: لعل فيه الخير، وما تعلمون!
ولم يزل صلاح الدين تحت كنف أبيه حتى ترعرع،
ولما ملك نور الدين محمود دمشق لازم نجم الدين أيوب خدمته،
وكذلك ولده صلاح الدين.
وكانت مخايل السعادة عليه لائحة، والنجابة تقدمه من حالة إلى حالة،
ونور الدين يؤثره ويقدمه، ومنه تعلم صلاح الدين طرائق الخير،
وفعل المعروف والاجتهاد في أمور الجهاد.
في 558هـ استنجد الوزير شاور العبيدي -"الفاطمي كما يسمى"
بنور الدين محمود على خصمه الوزير "ضرغام بن عامر"،
فأرسل نور الدين الأمير أسد الدين شيركوه ومعه صلاح الدين إلى مصر،
وكان صلاح الدين كارها لهذا الخروج.
ولما أعادوا الأمر لشاور، ما لبث أن غدر بهم -كعادة الشيعة-
واستنجد بالفرنجة الصليبيين فصالح أسد الدين أهل مصر.
ثم ما لبث الفرنجة أن أغاروا على مصر مرة أخرى ناكثين العهود مع المصريين،
فتوجه إليهم أسد الدين وصلاح الدين فرجع الصليبيين على أعقابهم خاسرين،
ثم قتل أسد الدين الوزير شاور؛ لغدره وخيانته،
ولأنه لا استقرار لمصر طالما هذا الوزير الخائن موجود فيها،
وصار أسد الدين وزير مصر إلى أن توفي سنة 564هـ
فصار الأمر من بعده لصلاح الدين فصار وزير مصر.
فبذل الأموال وملك قلوب الرجال، وهانت عنده الدنيا، فملكها وشكر نعمة الله عليه،
وأعرض عن أسباب اللهو، وتقمص بقميص الجد والاجتهاد
استعداداً لمواجهات مستمرة مع الصليبيين من جهة،
وخزعبلات الدولة العبيدية "المسماة بالفاطمية" من جهة أخرى.
ولما علم الإفرنج استقرار الأمر لصلاح الدين أجمعوا وجمعوا جيوشهم،
وقصدوا "دمياط"، فنازلهم صلاح الدين فهزمهم هزيمة منكرة،
وأُخذت منهم آلاتهم الحربية، وقتل من رجالهم العدد الكبير.
وحاول الشيعة العبيديون -"الفاطميون كما يسمون"- اغتيال صلاح الدين أكثر من ثلاث مرات،
كن الله خذلهم ورد كيدهم.
واستقرت الأمور لصلاح الدين، ونقل أسرته ووالده إلى مصر، ليتم له السرور،
وتكون قصته مشابهة لقصة يوسف الصديق -عليه الصلاة والسلام-.
ولم يزل صلاح الدين وزيراً حتى مات العاضد آخر خلفاء العبيديين 565هـ،
وبذلك انتهت الدولة العبيدية، وبدأت دولة بني أيوب "الأيوبية"،
ولـُقِب صلاح الدين بالملك الناصر، وثبتت قدمه ورسخ ملكه.
قال ابن شداد:
"لم يزل صلاح الدين على قدم بساط العدل، ونشر الإحسان، وإفاضة الإنعام على الناس".
بدأ صلاح الدين جهاده سنة 568هـ فبدأ ببلاد "الكرك" و"الشوبك"
ودارت بينه وبين الفرنج معارك لم يظفر فيها بشيء،
وفي أثناء ذلك قضى على حركات التمرد سواء من الشيعة
أو من المصريين كحركة رجل يدعى "الكنز".
ثم إن صلاح الدين توجه إلى دمشق لما علم اختلاف أحوالها بعد وفاة نور الدين،
وتولية الصالح إسماعيل ولده، وكان صبياً غير قادر على أعباء الدولة،
فأخذها وفرح الدمشقيون به فرحاً شديداً،
وبدأت البلاد الشامية وما حولها تدين له بالولاء والطاعة،
وبدأ صلاح الدين يوطد ملكه على هذه البلاد حتى دانت له.
ثم كانت واقعة حطين يوم السبت 14 ربيع الآخر 583هـ،
وكانت من أيام المسلمين المجيدة، ونصر الله المسلمين نصراً مؤزراً،
وكان الصليبيون 63 ألفاً أُسر منهم 30 ألفاً وقتل 30 ألفاً،
وفر ثلاثة آلاف مثخنين بالجراح وغنم المسلمون مغانم عظيمة
حتى لقد حكى من عاصرها أنه شاهد رجلاً معه نيف وثلاثين أسيراً،
وباع أحدُهم صليبياً بنعل يلبسه.
وقبض صلاح الدين على "أرناط" صاحب الكرك، وقد قتل بعض الحجاج المسلمين،
واستهزأ بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فأحضره أمامه
فقال له:
"ها أنا أنتصر لمحمد -صلى الله عليه وسلم- منك"
ثم عرض عليه الإسلام فأبى، فضرب عنقه.
ثم رحل إلى عكا وقاتل الصليبيين يوم الخميس مستهل جمادى الأولى 583هـ،
فأخذها واستنقذ من كان بها من أسارى المسلمين،
وتفرق جيشه في بلاد الساحل يأخذون الحصون والقلاع،
والأماكن المنيعة، ثم أخذ "صيدا" ثم "بيروت" في يوم الخميس التاسع والعشرين من شهر جمادى الأولى.
ثم لما تسلم صلاح الدين "عسقلان" والأماكن المحيطة بالقدس؛
شمر عن ساق الجد والاجتهاد في قصد القدس المبارك،
فاجتمعت إليه العساكر التي كانت متفرقة بالساحل،
فسار نحوه معتمداً على الله -تعالى- مفوضاً أمره إليه.
وكان نزوله عليه في الخامس من رجب 583هـ، وفي يوم الجمعة العشرين من رجب نصب المجانيق،
ولما رأى أعداء الله الصليبيون ما نزل بهم من الأمر
وأنهم لا قبل لهم بجند المسلمين، استكانوا وطلبوا الأمان،
وكان تسلم صلاح الدين لبيت المقدس يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب،
ثم استكمل بعد ذلك فتح ما حول القدس الشريف وبقية بلاد الشام،
حتى دانت له هذه البلاد،
ووقعت في أثناء ذلك بينه وبين الصليبيين حروب انتهت بانتصاره ومصالحتهم له.
ثم اهتم بعد ذلك بإصلاح أحوال بلاد المسلمين،
وإصلاح ما خربه الصليبيون أثناء وجودهم في بلاد المسلمين.
قال أبو شامة:
"لم يخلف في خزانته إلا سبعة وأربعين درهما ودينارا صوريا،
ولم يخلف مِلكاً ولا عقاراً".
وقال العماد:
"أطلق مدة حصار عكا اثني عشر ألف فرس وما حضر اللقاء
إلا استعار فرسا ولا يلبس إلا الكتان والقطن".
قال أبو شامة:
"كان -رحمه الله- شديد القوى عاقلاً وقوراً مهيباً كريماً شجاعاً،
كثير الغزو عالي الهمة. لم يختلف عليه في أيامه أحد من أصحابه،
وكان الناس يأمنون ظلمه، ويرجون رفده،
وأكثر ما كان يصل عطاؤه إلى الشجعان والعلماء،
ولم يكن لمبطل ولا لمزَّاح عنده نصيب".
قال العماد:
"نزَّه المجالس من الهزل. يؤثر سماع الحديث بالأسانيد،
حليماً، مُقيلاً للعثرة، تقياً، نقياً، وفياً، يغضي ولا يغضب،
ما ردَّ سائلاً، ولا خجَّل قائلاً، كثير البر والصدقات.
ما رأيته صلى إلا في جماعة".
كان حريصا -رحمه الله- على طلب العلم،
فقد رحل إلى الإسكندرية لسماع موطأ الإمام مالك،
ولم يشغله جهاده عن طلب العلم،
ومن معرفته لقيمة العلم وأثره
كان يأمر بقراءة صحيح البخاري على الجنود في الخيام
أثناء الاستعداد لمعركة حطين.
في السادس عشر من صفر 589هـ يوم السبت
أصيب بحمى صفراوية كانت في باطنه أكثر من ظاهره،
واحتد عليه المرض
حتى توفي يوم الأربعاء السابع والعشرين من صفر عام 589هـ.
وذكر أبو جعفر القرطبي أنه قرأ عند صلاح الدين وهو في مرض موته
حتى انتهى إلى قوله -تعالى-:
﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾
[الحشر:22]،
فسمع صلاحَ الدين يقول: "صحيح"،
وكان ذهنه غائباً قبل ذلك،
ثم مات رحمه الله رحمة واسعة،
وحشرنا وإياه مع الأنبياء والمرسلين،
وصلِّ اللهم وسلِم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
--
و أنعم بعد القلة و أعز بعد الذلة
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
البر الرحيم العزيز الكريم
و أشهد أن محمداً عبده و رسوله
المبعوث رحمة للعالمين و قدوة للعاملين
صلى الله عليه و على آل بيته الطيبين الطاهرين
و أصحابه الغُرِّ الميامين و من سار على نهجهم و اتبع سبيلهم
من العلماء العاملين و الأئمة المهديين و علينا معهم
و الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
أما بعد ...
فـ من مفاخر هذه الأمة أن دُوٍّن تاريخها و ترجم لرجالها
و تاريخ الإسلام حافل زاخر بالأحداث العظيمة التي تفتخر بها الأمم و الشعوب
كما أنه غني كذلك بالرجال الأفذاذ و العلماء الأعلام
الذين يمثلون عظمة الإسلام و يصدقون دعوة النبي -عليه الصلاة و السلام-
فـ العلماء الأعلام و الأئمة الكرام ثمرات طيبة مباركة لدعوة الإسلام الخالدة
رجال تربوا بالإسلام و تربوا للإسلام
رفع الله -عز و جل- بهم رايته و أعزَّ شريعته .
فـ بإذن الله سنُقَلِّب في كل لقاء صفحة من صفحات التاريخ المشرقة
نأخذ منها العبرة و العلم النافع و نقتضي بها في العمل الصالح
فهذه سلسلة من تاريخ التابعين فمن بعدهم و قد أسميتها
" صفحات من التاريخ "
و أسأل الله الغني الكريم أن يتقبل منا صالح الأعمال
و أن يتجاوز عما في أعمالنا و أعمارنا من خلل و تقصير
و أن يمنحنا من فضله و كرمه الثواب الجزيل
و الحمد لله رب العالمين
--
(1) الناصر صلاح الدين الأيوبي
فهو أبو المظفر يوسف بن أيوب بن شاذي،
الملقب بالملك الناصر صلاح الدين.
اتفق أهل التاريخ على أن أباه وأهله من "دوين"،
وهي بلدة في آخر أذربيجان، وأنهم أكراد،
وكان شاذي -جد صلاح الدين- قد أخذ ولديه "أسد الدين شيركوه"،
و"نجم الدين أيوب"، وخرج بهما إلى بغداد، ومن هناك نزلوا تكريت.
ولد صلاح الدين سنة 532هـ بقلعة تكريت في الليلة التي أخرجوا منها، فتشاءموا به، وتطيروا منه،
فقال بعضهم: لعل فيه الخير، وما تعلمون!
ولم يزل صلاح الدين تحت كنف أبيه حتى ترعرع،
ولما ملك نور الدين محمود دمشق لازم نجم الدين أيوب خدمته،
وكذلك ولده صلاح الدين.
وكانت مخايل السعادة عليه لائحة، والنجابة تقدمه من حالة إلى حالة،
ونور الدين يؤثره ويقدمه، ومنه تعلم صلاح الدين طرائق الخير،
وفعل المعروف والاجتهاد في أمور الجهاد.
في 558هـ استنجد الوزير شاور العبيدي -"الفاطمي كما يسمى"
بنور الدين محمود على خصمه الوزير "ضرغام بن عامر"،
فأرسل نور الدين الأمير أسد الدين شيركوه ومعه صلاح الدين إلى مصر،
وكان صلاح الدين كارها لهذا الخروج.
ولما أعادوا الأمر لشاور، ما لبث أن غدر بهم -كعادة الشيعة-
واستنجد بالفرنجة الصليبيين فصالح أسد الدين أهل مصر.
ثم ما لبث الفرنجة أن أغاروا على مصر مرة أخرى ناكثين العهود مع المصريين،
فتوجه إليهم أسد الدين وصلاح الدين فرجع الصليبيين على أعقابهم خاسرين،
ثم قتل أسد الدين الوزير شاور؛ لغدره وخيانته،
ولأنه لا استقرار لمصر طالما هذا الوزير الخائن موجود فيها،
وصار أسد الدين وزير مصر إلى أن توفي سنة 564هـ
فصار الأمر من بعده لصلاح الدين فصار وزير مصر.
فبذل الأموال وملك قلوب الرجال، وهانت عنده الدنيا، فملكها وشكر نعمة الله عليه،
وأعرض عن أسباب اللهو، وتقمص بقميص الجد والاجتهاد
استعداداً لمواجهات مستمرة مع الصليبيين من جهة،
وخزعبلات الدولة العبيدية "المسماة بالفاطمية" من جهة أخرى.
ولما علم الإفرنج استقرار الأمر لصلاح الدين أجمعوا وجمعوا جيوشهم،
وقصدوا "دمياط"، فنازلهم صلاح الدين فهزمهم هزيمة منكرة،
وأُخذت منهم آلاتهم الحربية، وقتل من رجالهم العدد الكبير.
وحاول الشيعة العبيديون -"الفاطميون كما يسمون"- اغتيال صلاح الدين أكثر من ثلاث مرات،
كن الله خذلهم ورد كيدهم.
واستقرت الأمور لصلاح الدين، ونقل أسرته ووالده إلى مصر، ليتم له السرور،
وتكون قصته مشابهة لقصة يوسف الصديق -عليه الصلاة والسلام-.
ولم يزل صلاح الدين وزيراً حتى مات العاضد آخر خلفاء العبيديين 565هـ،
وبذلك انتهت الدولة العبيدية، وبدأت دولة بني أيوب "الأيوبية"،
ولـُقِب صلاح الدين بالملك الناصر، وثبتت قدمه ورسخ ملكه.
قال ابن شداد:
"لم يزل صلاح الدين على قدم بساط العدل، ونشر الإحسان، وإفاضة الإنعام على الناس".
بدأ صلاح الدين جهاده سنة 568هـ فبدأ ببلاد "الكرك" و"الشوبك"
ودارت بينه وبين الفرنج معارك لم يظفر فيها بشيء،
وفي أثناء ذلك قضى على حركات التمرد سواء من الشيعة
أو من المصريين كحركة رجل يدعى "الكنز".
ثم إن صلاح الدين توجه إلى دمشق لما علم اختلاف أحوالها بعد وفاة نور الدين،
وتولية الصالح إسماعيل ولده، وكان صبياً غير قادر على أعباء الدولة،
فأخذها وفرح الدمشقيون به فرحاً شديداً،
وبدأت البلاد الشامية وما حولها تدين له بالولاء والطاعة،
وبدأ صلاح الدين يوطد ملكه على هذه البلاد حتى دانت له.
ثم كانت واقعة حطين يوم السبت 14 ربيع الآخر 583هـ،
وكانت من أيام المسلمين المجيدة، ونصر الله المسلمين نصراً مؤزراً،
وكان الصليبيون 63 ألفاً أُسر منهم 30 ألفاً وقتل 30 ألفاً،
وفر ثلاثة آلاف مثخنين بالجراح وغنم المسلمون مغانم عظيمة
حتى لقد حكى من عاصرها أنه شاهد رجلاً معه نيف وثلاثين أسيراً،
وباع أحدُهم صليبياً بنعل يلبسه.
وقبض صلاح الدين على "أرناط" صاحب الكرك، وقد قتل بعض الحجاج المسلمين،
واستهزأ بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فأحضره أمامه
فقال له:
"ها أنا أنتصر لمحمد -صلى الله عليه وسلم- منك"
ثم عرض عليه الإسلام فأبى، فضرب عنقه.
ثم رحل إلى عكا وقاتل الصليبيين يوم الخميس مستهل جمادى الأولى 583هـ،
فأخذها واستنقذ من كان بها من أسارى المسلمين،
وتفرق جيشه في بلاد الساحل يأخذون الحصون والقلاع،
والأماكن المنيعة، ثم أخذ "صيدا" ثم "بيروت" في يوم الخميس التاسع والعشرين من شهر جمادى الأولى.
ثم لما تسلم صلاح الدين "عسقلان" والأماكن المحيطة بالقدس؛
شمر عن ساق الجد والاجتهاد في قصد القدس المبارك،
فاجتمعت إليه العساكر التي كانت متفرقة بالساحل،
فسار نحوه معتمداً على الله -تعالى- مفوضاً أمره إليه.
وكان نزوله عليه في الخامس من رجب 583هـ، وفي يوم الجمعة العشرين من رجب نصب المجانيق،
ولما رأى أعداء الله الصليبيون ما نزل بهم من الأمر
وأنهم لا قبل لهم بجند المسلمين، استكانوا وطلبوا الأمان،
وكان تسلم صلاح الدين لبيت المقدس يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب،
ثم استكمل بعد ذلك فتح ما حول القدس الشريف وبقية بلاد الشام،
حتى دانت له هذه البلاد،
ووقعت في أثناء ذلك بينه وبين الصليبيين حروب انتهت بانتصاره ومصالحتهم له.
ثم اهتم بعد ذلك بإصلاح أحوال بلاد المسلمين،
وإصلاح ما خربه الصليبيون أثناء وجودهم في بلاد المسلمين.
قال أبو شامة:
"لم يخلف في خزانته إلا سبعة وأربعين درهما ودينارا صوريا،
ولم يخلف مِلكاً ولا عقاراً".
وقال العماد:
"أطلق مدة حصار عكا اثني عشر ألف فرس وما حضر اللقاء
إلا استعار فرسا ولا يلبس إلا الكتان والقطن".
قال أبو شامة:
"كان -رحمه الله- شديد القوى عاقلاً وقوراً مهيباً كريماً شجاعاً،
كثير الغزو عالي الهمة. لم يختلف عليه في أيامه أحد من أصحابه،
وكان الناس يأمنون ظلمه، ويرجون رفده،
وأكثر ما كان يصل عطاؤه إلى الشجعان والعلماء،
ولم يكن لمبطل ولا لمزَّاح عنده نصيب".
قال العماد:
"نزَّه المجالس من الهزل. يؤثر سماع الحديث بالأسانيد،
حليماً، مُقيلاً للعثرة، تقياً، نقياً، وفياً، يغضي ولا يغضب،
ما ردَّ سائلاً، ولا خجَّل قائلاً، كثير البر والصدقات.
ما رأيته صلى إلا في جماعة".
كان حريصا -رحمه الله- على طلب العلم،
فقد رحل إلى الإسكندرية لسماع موطأ الإمام مالك،
ولم يشغله جهاده عن طلب العلم،
ومن معرفته لقيمة العلم وأثره
كان يأمر بقراءة صحيح البخاري على الجنود في الخيام
أثناء الاستعداد لمعركة حطين.
في السادس عشر من صفر 589هـ يوم السبت
أصيب بحمى صفراوية كانت في باطنه أكثر من ظاهره،
واحتد عليه المرض
حتى توفي يوم الأربعاء السابع والعشرين من صفر عام 589هـ.
وذكر أبو جعفر القرطبي أنه قرأ عند صلاح الدين وهو في مرض موته
حتى انتهى إلى قوله -تعالى-:
﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾
[الحشر:22]،
فسمع صلاحَ الدين يقول: "صحيح"،
وكان ذهنه غائباً قبل ذلك،
ثم مات رحمه الله رحمة واسعة،
وحشرنا وإياه مع الأنبياء والمرسلين،
وصلِّ اللهم وسلِم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
--
مواضيع مماثلة
» في ذكرى حطين قم يا صلاح الدين الكوردي
» خيانات الشيعة ومحاولاتهم الفتك بصلاح الدين الأيوبي .الكوردي
» صلاح الدين و أخلاق الفارس الأسلامى
» صلاح الدين الايوبي كوردي الاصل
» عايض القرني في مدح صلاح الدين الكردي
» خيانات الشيعة ومحاولاتهم الفتك بصلاح الدين الأيوبي .الكوردي
» صلاح الدين و أخلاق الفارس الأسلامى
» صلاح الدين الايوبي كوردي الاصل
» عايض القرني في مدح صلاح الدين الكردي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء أبريل 10, 2018 10:59 am من طرف سورجي بؤ هه مووان
» معلومات عن دراسة تخصص طب الأشعة | INFORMATION ABOUT MEDICAL RADIOLOGY STUDY ABROAD
الثلاثاء أبريل 10, 2018 10:56 am من طرف سورجي بؤ هه مووان
» بحث حول إدارة الموارد البشرية
الثلاثاء أبريل 10, 2018 10:45 am من طرف سورجي بؤ هه مووان
» موضوع ترميم الآثار
الإثنين أبريل 09, 2018 12:17 pm من طرف سورجي بؤ هه مووان
» موضوع هندسة البرمجيّات
الإثنين أبريل 09, 2018 12:13 pm من طرف سورجي بؤ هه مووان
» موضوع الأسواق والمنشأت المالية "FMI
الإثنين أبريل 09, 2018 12:03 pm من طرف سورجي بؤ هه مووان
» تعريف نظم المعلومات
الإثنين أبريل 09, 2018 12:01 pm من طرف سورجي بؤ هه مووان
» موضوع عن علوم السياسية
الإثنين أبريل 09, 2018 11:59 am من طرف سورجي بؤ هه مووان
» موضوع عن الجمارك جمرك المالية
الإثنين أبريل 09, 2018 11:57 am من طرف سورجي بؤ هه مووان